عرض المقال
يا دمشق إذا احترقت البيوت.. فهل تحترق الأبيات؟
2013-09-05 الخميس
دمشق كما سكنت القلوب سكنت أبيات الشعر، ما من شاعر عربى إلا وسكنته دمشق واستوطنت وجدانه حتى ولو كانت مجرد زيارة قصيرة، فدمشق لا تعرف الترانزيت، بل هى تحترف الإقامة الدائمة والبصمة المزمنة حتى ولو غادرتها جسداً، فهى فى عمق الروح، كتب عنها أمير الشعراء أحمد شوقى إبان القصف الفرنسى الوحشى عليها 1925 بقيادة الجنرال سيراى والذى دمر أجمل وأروع مبانيها القريبة من سوق الحميدية، تركها خرابة وأطلالاً ورماد حريق، حتى إن السوريين أطلقوا على المنطقة المدمرة اسم «الحريقة»، وما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه أمريكا بفرنسا وما أشبه الجنرال أوباما بالجنرال سيراى، يقول شوقى:
سلام من صبا بردى أرقّ.. ودمع لا يُكَفكَف يا دمشقُ
وذكرى عن خواطرها لقلبى.. إليكِ تلفّتٌ أبداً وخفقُ
لحاها اللهُ أنباءً توالَت.. على سمعِ الوليِّ بما يشقُّ
وقيلَ معالمُ التاريخِ دُكَّت.. وقيلَ أصابها تلفٌ وحرقُ
دمُ الثوّار تعرفه فرنسا.. وتعلم أنه نورٌ وحقُّ
نصحتُ ونحن مختلفون داراً.. ولكن كلّنا فى الهم شرقُ
وقفتم بين موتٍ أو حياةٍ.. فإن رُمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان فى دم كل حرٍ.. يدٌ سَلَفت ودينٌ مُستحُّق
ولا يبنى الممالك كالضحايا.. ولا يُدنى الحقوقَ ولا يُحِقُّ
وللحرية الحمراء بابٌ.. بكلِ يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ
جزاكم ذو الجلال بنى دمشق.. وعزُّ الشرق أوله دمشق
■ كتب عنها ابنها نزار قبانى الذى خلدها شعراً ونثراً فكانت سيدة المدن التى تربعت على عرش وجدانه، أقتبس من نزار هذه الأبيات عن دمشق الفيحاء:
هذى دمشقُ وهذى الكأسُ والرّاحُ إنّى أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقى لو شرّحتمُ جسدى لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحـتُم شرايينى بمديتكـم سمعتمُ فى دمى أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفى بعضَ من عشقوا وما لقلـبى -إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
ألا تزال بخير دار فاطمة فالنهد مستنفر والكحل صبّاح
إن النبيذ هنا نار معطرة فهل عيون نساء الشام أقداح
مآذنُ الشّـامِ تبكـى إذ تعانقـنى وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـولٌ فى منازلنـا وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ «أبى المعتزِّ» منتظرٌ ووجهُ «فائزةٍ» حلوٌ ولمـاحُ
هنا جذورى هنا قلبى هنا لغـتى فكيفَ أوضحُ؟ هل فى العشقِ إيضاحُ؟
■ كتب عنها الشاعر الفلسطينى محمود درويش:
فى دمشق تطير الحمامات
خلف سياج الحرير
اثنتين اثنتين
فى دمشق أرى لغتى كلها على حبة قمح مكتوبة
بإبرة أنثى ينقحها حجر الرافدين
فى دمشق تطرز أسماء خيل العرب
من الجاهلية حتى القيامة أو بعدها
بخيوط الذهب
فى دمشق تسير السماء على الطرق القديمة
حافية حافية
فما حاجة الشعراء إلى الوحى والوزن والقافية
■ وكتب عنها شاعر العراق الجواهرى:
شممـت تربـك لا زلفـى ولا ملقا
وسـرت قصدك لا خبّـا ولا مذقا
ومـا وجـدت إلى لقيـاك منعطفا
إلا إليـك ومـا ألفيـت مفتـرقا
كنت الطـريق إلى هاو تنـازعـه
نفـس تسـد عليه دونها الطرقـا
وكـان قلبى إلى رؤيـاك باصـرتى
حتى اتهمت عليك العـين والحدقـا
شممت تربك أسـتاف الصّبا مرحـا
والشــمل مؤتلفا والعقـد مؤتلقا
وسـرت قصدك لا كالمشـتهى بلدا
لكن كمن يشـتهى وجه من عشـقا
قالوا «دمشـق» و«بغداد» فقلت هما
فجر على الغد من أمسـيهما انبثقا
دمشــق عشـتك ريعانا وخافقة
ولمـة العيـون السـود والأرقـا
تموجـين ظلال الذكريات هـوى
وتسـعدين الأسـى والهمّ والقلقا.